الجو البارد
أنا عائدة إليه تدلف بي السيارة الأنيقة عبر بحار من الظلمة الليل أبكم واصم صورة من القبح والتشويه
والركود لا مثيل لها كنت أحب الليل ونسائمه الحلوة اعشق فيه الموسيقى والشعر
والنجوى الحالمة لكن كله استحال إلى أنين ونواح أنا عائدة إليه ..إلى زوجي آه
ولسوف يستقبلني كالعهد به دائما عقب كل جولة...ها سبع وإلا ضبع
يريد دائما أن يعرف هل نجحت ,أم
عدت أجرجر أذيال الفشل والخيبة لا اذكر مرة واحدة انه سألني عن حالتي ,أو حمد الله
على سلامتي حتى ولو من باب المجاملات
العابرة التي لا معنى لها انه جاف صريح هو يسمى ذلك صراحة ,وان كانت أبشع ألوان
الوقاحة ,ودائما يزهو ويتباهى بأنه واقعي ,يعرف حقيقة الأمور,ويدرك أبعادها,ويقصد
هدفه دون مواربة اناعائدة إليه هذه المرة
بلا ابتسامات,الدموع تفيض في داخلي وتفور ,حتى تكاد تحبس أنفاسي وتحطم ضلوعي
بداخلي طوفان من الدموع وفتح السائق باب
السيارةعندما بلغت باب الفندق,نزلت وهرولت إلى الداخل دون كلمة شكر للسائق ,ودون أن
القي تحية المساء على الخادم الذي فتح لي الباب, ولم اقصد المصعد, بل هرولت إلى
الدرج ,كنت اصعد في انفعال واضح ,وثروة مكبوتة,وحينما دخلت حجرتي في فندق((كارلتون))وجدت
زوجي جالسا في انتظاري ,وسرعان ما هب واقفا, واخذ يفرك يديه في قلق ظاهر:
_((سبع ولا ضبع))
خلعت قفازي الأسود وقذفت به على الطاولة ,دون أن أتكلم وكان على الطاولة بضع مجلات خليعة وصحف يومية
من أقطار شتى ومطفأة سجائر وقلم وأوراق وزجاجة من الويسكي وكأعليه الشحوب وسعل
دونما حاجة وتمتم في ارتباك (الجو بارد هذه الليلة ) وانتظر أن أقول شيئا ولم يعد أليه
سوى صدى صوته المرتجف اعرف أن صبره سينفذ سريعا وأردت أن أعذبه وأتشفى بتوتره
وقلقه لكنه انقض علي وجذبني من يدي في جفوة
لماذا لا تتكلمين ؟؟ إنني احترق بنار الانتظار هل من السهل أن أبقى ساعات
طويلة أتسمع الخطوات وأنت بعيدة عني
ضحكت في سخرية وقلت ليست هذه أول مرة
لا شك انك أكثرت من الشراب
هذه الليلة بالذات لم أذق للخمر طعما
وقال في خوف
لماذا
هكذا أردت
أنها بادرة سوء على أية حال
جذبت يدي منه وارتميت على السرير وأنا الهث وتمتمت
رفض عبيد الصفقة
صرخ في رعب
كيف ؟؟ هذا يعني ضياعنا إنها اكبر صفقة نجري وراءها
الربح فيها لا يقل عن مليون ريال مستحيل أن تفلت من أيدينا
هززت كتفي دون اكتراث وقلت
عبيد رجل حريص .يختلف عن غيره من الرجال انه من ذلك النوع الذي لا تستطيع
النساء أن تستولي على فكره وماله
هراء كل دراساتي عنه تؤكد غير ذالك
ودارت رأسي ما اكثر ما قابلت من الرجال الأللمواصلات.كثر السيارات التي
ركبتها لقد رسم لي زوجي الطريق منذ سنوات عدة افهمني أن العالم تحكمه النساء وان
كلمة السر في دنيا المال والربح هي المرأة وان جمالي يفتح الأبواب المغلقة وان
المرأة الذكية تستطيع أن تحصل على ما تريد دون أن تفرط في شرفها (ملحوظة ) زوجي
يعتبر جلوسي مع رجل غريب وحدي أمر غير ذي بال ويرى اللمسات والكلمات ذات التروية الجنسية
بل والقبلات أيضا شيئا لا يخل بالشرف أن همسات ناعمة أو رقصة بريئة على أنغام
الموسيقى وبعض الوعود مجرد الوعود تبلغ بالمرأة ما تريد من أرباح وزوجي يقول دائما
في حياتي العملية ابحث دائما عن اقصر طريق للمواصلات ..المرأة هي اقصر طريق
إلى زوجي فيتلقفها بامتنان بالغ ويتبع ذالك بقبلة عاشقة طويلة واغرق بعدها
بالجواهر والأزياء الأنيقة والسهرات الحمراء لا أكاد أفيق إلى نفسي غيبوبة دائمة
وحلم معقد مكتظ بالمشاهد والصور المتداخلة لا أكاد أتبين شيئا محددا واضحا وذات
مساء ساقوني إلى الشرطة متلبسة بالجريمة ليلتها كاد الرعب يقتلني ماذا سيقول زوجي
؟؟ وكيف أواجه نظراته القاتلة ولكن شيئا من ذالك لم يحدث أتى ثائرا ضد من ؟؟ ضد من
اتهموني في شرفي وعفافي ورفض التهمة وخلع معطفه ووضعه على كتفي في حنان صادق وأبدى
تأسفه لهؤلاء الحمقى الذين يلقون التهم جزافا لم أكن اصدق ما يجري نظرت أليه في
دهشة فأبتسم وقال(( لو شهد أهل الأرض كلهم ضدك لما صدقتهم أنا أعرفك جيدا يا حبيبتي وليمت هؤلاء الحاقدون كمدا وغيظا ,فلن تستطيع
قوة في الوجود أن تفرق بيني وبينك))ليلتها من كل قلبي لكم تمنيت أن ينقضي علي صفعا وركلا ,أو يحاول
تمزيقي إربا اربأ تمنيت أن يثور لمشرقه
وكبريائه, لكنه احني رأسه في أسف,واعتذر لي
وعدنا إلى المسكن الحزين ولم
نعداليه صامتين, لأنه لم يكف عن الثرثرة والتشدق بكلمات ضخمة _كالشعارات التي
نسمعها في عالم السياسة _ عن الشرف وعن أصالتي ومعدني الطبيب ,وعفة أخلاقي ,وكانت
هذه الكلمات تنصب في إذني كالرصاص ,وتملؤني بالاشمئزاز ,ووجدتني أقول ليلتها (
ولكني أخطأت فعلا يا كمال ) فسد فمي بيده واقسم إلا أتكلم كلمة واحدة
واقترب زوجي مني واخذ يلح
بالله عليك يا فتحية قولي كيف افلت منك عبيد انه أمر هام جدا ولا بد من إعادة
المحاولة
وقلت وانأ ارمقه بطرف عيني !
( لقد خدعني ...نال مني كل شيء دون آن أنال منه شيئا...لو كنت مكانك لذهبت إليه
على الفور وانتقمت لشرفي )
وقال وهو يلوح بيده في غيظ
ما جئنا هذه البلاد لنقتل ..جئنا للعمل أتفهمين !!؟
قمت من سريري وهو ينظر إلي في استغراب ثم فتحت حقيبة اليد واستخرجت العقد
الموقع عليه من عبيد وقلت
لقد حاولت أن أعاتبك إن عبيد وافق على كل شيء واليك العقد
اختطف العقد مني كطفل غمره السرور وهو يلتقط لعبه جميلة ورأيت على وجهه
فرحة حقيقية لا يشوبها كدر أو يظللها شيء من تأنيب الضمير واخذ يرقص في أنحاء
الغرفة في مرح صبياني ثم أسرع نحوي واحتضنني بين ذراعيه وضمني أليه في شغف مراهق وأمطرني
بقبلاته ثم ذهب إلى الطاولة وصب كأسين من الويسكي وهو يدندن بأغنية شائعة لفيروز
كان صوته نشازا وكانت حركاته تبعث في نفسي كراهية سوداء وتمثلت في خيالي كل الليالي
الزائفة بالشؤم والعار والضياع وبهدوء وإصرار وأخرجت المسدس من حقيبة اليد ثم أفرغته
كله فيه واستشعرت عندئذ روعة الانتصار الحقيقي وفي لحظات كان كمال ملقى على
السجادة الخضراء والعقد الذي سقط من يده يعوم في بركة من الدم